فصل: فائدة: المراد بالزوجة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (35):

قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فرغ من نعمة التفضيل في الصفات الذاتية بين النعمة بشرف المسكن مع تسخير زوج من الجنس لكمال الأنس وما يتبع ذلك فقال تعالى.
وقال الحرالي: لما أظهر الله سبحانه فضيلة آدم فيما أشاد به عند الملائكة من علمه وخلافته والإسجاد له وإباء إبليس عنه أظهر تعالى إثر ذلك ما يقابل من أحوال آدم حال ما ظهر للملائكة بما فيه من حظ مخالفة يشارك بها إفراط ما في الشيطان من الإباء لإحاطة خلق آدم بالكون كله علوًا وسفلًا، وليظهر فضل آدم في حال مخالفته على إبليس في حال إبائه مما يبدو على آدم من الرجوع بالتوبة كحال رجوع الملائكة بالتسليم، فيظهر فيه الجمع بين الطرفين والفضل في الحالين: حال علمه وحال توبته في مخالفته، فجعل تعالى إسكان الجنة توطئة لإظهار ذلك من أمره فقال تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن} من السكن وهو الهدوء في الشيء الذي في طيه إقلاق، أن في قوله: {أنت} اسم باطن الذات علمًا هي المشتركة في أنا وأنتَ وأنتِ وأن تفعل كذا، والألف في أنا إشارة ذات المتكلم، وفي مقابلتها التاء إشارة لذات المخاطب ذكرًا أو أنثى {وزوجك الجنة} فأجنت لآدم ما فيها من خبء استخراج أمر معصيته ليكون ذلك توطئة لكمال باطنه بإطلاعه على سر من أسرار ربه في علم التقدير إيمانًا والكمال ظاهره يكون ذلك توطئة لفضيلة توبته إسلامًا ليس لبنيه التوبة إثر المعصية مخالفة لإصرار إبليس بعد إبائه وشهادة عليه بجهله في ادعائه، وجعل له ذلك فيما هو متنزل عن رتبة علمه فلم تلحقه فيه فتنة حفيظة على خلافته وأنزلت معصيته إلى محل مطعمه الذي هو خصوص حال المرء من جهة أجوفية خلقه ليبدو نقص الأجوف ويبدي ذلك إكبار الصمد الذي يُطْعِم ولا يُطعَم، فكان ذلك من فعله تسبيحًا بحمد ربه؛ لا يقضي الله لمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له انتهى.
ولما كان السياق هنا لمجرد بيان النعم استعطافًا إلى المؤالفة كان عطف الأكل بالواو في قوله: {وكلا منها} كافيًا في ذلك، وكان التصريح بالرغد الذي هو من أجل النعم عظيم الموقع فقال تعالى: {رغدًا} أي واسعًا رافهًا طيبًا هنيئًا {حيث} أي أيّ مكان {شئتما} بخلاف سياق الأعراف فإنه أريد منه مع التذكير بالنعم التعريف بزيادة التمكين وأنها لم تمنع من الإخراج تحذيرًا للمتمكنين في الأرض المتوسعين في المعايش من إحلال السطوات وإنزال المثلاث، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم المقصود من حكاية القصص في القرآن إنما هو المعاني فلا يضر اختلاف اللفظ إذا أدى جميع المعنى أو بعضه ولم يكن هناك مناقضة فإن القصة كانت حين وقوعها بأوفى المعاني الواردة ثم إن الله تعالى يعبر لنا في كل سورة تذكر القصة فيها بما يناسب ذلك المقام في الألفاظ عما يليق من المعاني ويترك ما لا يقتضيه ذلك المقام، وسأبين ما يطلعني الله عليه من ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
ولما أباح لهما سبحانه ذلك كله أتبعه بالنهي عن شجرة واحدة.
قال الحرالي: وأطلق له الرغد إطلاقًا وجعل النهي عطفًا ولم يجعله استثناء ليكون آدم أعذر في النسيان لأن الاستثناء أهم في الخطاب من التخصيص وقال: {ولا تقربا} ولم يقل: ولا تأكلا، نهيًا عن حماها ليكون ذلك أشد في النهي- انتهى.
{هذه} ولما كان اسم الإشارة لا دلالة له على حقيقة الذات افتقر إلى بيان ذات المشار إليه فقال: {الشجرة} أي فإنكما إن قربتماها تأكلا منها {فتكونا} أي بذلك {من الظالمين} أي الواضعين الشيء في غير موضعه كمن يمشي في الظلام؛ وفي هذا النهي دليل على أن هذه السكنى لا تدوم، لأن المخلد لا يناسب أن يعرض للحظر بأن يحظر عليه شيء ولا أن يؤمر ولا ينهى، ولذلك دخل عليه الشيطان من جهة الخلد، ولا داعي لبيان نوع الشجرة لأن السياق لبيان شؤم المخالفة وبركة التوبة لا لتعيين المنهي عنه فليس بيانه حينئذ من الحكمة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسكن} لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم: اسكن؛ أي لازم الإقامة واتخذها مسكنًا، وهو محل السكون.
وسَكَن إليه يَسْكُن سكونًا.
والسَّكَن: النار؛ قال الشاعر:
قد قُوِّمَتْ بِسَكَنٍ وأدهان ** والسَّكَن كل ما سُكن إليه

والسِّكين معروف، سُمِّيَ به لأنه يُسَكِّن حركة المذبوح؛ ومنه المِسْكين لقلة تصرّفه وحركته.
وسُكّان السفينة عربيّ؛ لأنه يُسَكّنها عن الاضطراب. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أمر الله تعالى ملائكته أن يحملوا آدم على سرير من ذهب إلى السماء، فأدخلوه الجنة ثم خلق منه زوجه حواء، يعني من ضلعه الأيسر، وكان آدم بين النائم واليقظان.
وقال ابن عباس: سميت حواء لأنها خلقت من الحي.
ويقال: إنما سميت حواء لأنه كان في شفتها حوة، يعني حمرة. اهـ.

.قال القرطبي:

في قوله تعالى: {اسكن} تنبيه على الخروج؛ لأن السُّكْنَى لا تكون ملكًا؛ ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدّة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سُكْنَى لا دخول إقامة.
قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلًا مسكنًا له أنه لا يملكه بالسُّكْنَى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدّة الإسكان.
وكان الشعبيّ يقول: إذا قال الرجل داري لك سُكْنَى حتى تموت فهي له حياتَه وموتَه، وإذا قال: داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات.
ونَحوٌ من السُّكْنَى العُمْرَى، إلا أن الخلاف في العُمْرَى أقوى منه في السُّكْنَى.
وسيأتي الكلام في العُمْرَى في هود إن شاء الله تعالى.
قال الحَرْبيّ: سمعت ابن الإعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على مِلْك أربابها ومنافعها لمن جُعلت له العُمْرىَ والرقبى والإفقار والإخبال والمِنحة والعَرِيّة والسُّكْنَى والإطراق.
وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرِّقاب؛ وهو قول اللَّيْث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قُسيط.
والعُمْرَى: هو إسكانك الرجل في دار لك مدّة عمرك أو عمره.
ومثله الرُّقْبَى.
وهو أن يقول: إن مُتُّ قبلي رجعتْ إليّ وإن متُّ قبلك فهي لك؛ وهي من المراقبة.
والمراقبة: أن يَرقُب كلُّ واحد منهما موتَ صاحبه؛ ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وَصِيَّةٌ عندهم.
ومنعها مالك والكوفيون؛ لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه.
وفي الباب حديثان أيضًا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجه في سُننه؛ الأوّل رواه جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العُمْرَى جائزةٌ لمن أُعمِرَها والرُّقْبَى جائزةٌ لمن أُرْقِبهَا» ففي هذا الحديث التسويةُ بين العُمْرَى والرُّقْبَى في الحكم.
الثاني رواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا رُقْبَى فمن أُرْقِب شيئًا فهو له حياتَه ومماتَه» قال: والرُّقْبَى أن يقول هو للآخر: مِنِّي ومنك موتا.
فقوله: «لا رُقْبى» نهيٌ يدلّ على المنع؛ وقوله: «مَن أُرْقِب شيئًا فهو له» يدلّ على الجواز؛ وأخرجهما أيضًا النِّسائي.
وذكر عن ابن عباس قال: العُمْرَى والرُّقْبَى سواء.
وقال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العُمْرَى جائزة لمن أُعمرها والرُّقْبَى جائزة لمن أرْقِبها» فقد صحّح الحديث ابن المنذر؛ وهو حجة لمن قال بأن العُمْرَى والرُّقْبَى سواء.
ورُوي عن عليّ وبه قال الثّوْرِيّ وأحمد، وأنها لا ترجع إلى الأوّل أبدًا؛ وبه قال إسحاق.
وقال طاوس: مَن أرقب شيئًا فهو سبيل الميراث.
والإفقار مأخوذ من فَقار الظَّهر.
أفقرتك ناقتي.
أعَرْتُك فَقارها لتركبها.
وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه.
ومثله الإخبال، يقال: أخبلت فلانًا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسًا يغزو عليه؛ قال زهير:
هنالك إن يُسْتَحْبَلُوا المال يُخْبِلوا ** وإن يُسْأَلوا يُعْطُوا وإن يَيْسِروا يَغْلُوا

والمِنْحة: العطِيّة.
والِمنْحة: مِنحة اللّبن.
والمَنِيحة: الناقةُ أو الشاةُ يُعطيها الرجلُ آخر يحتلبها ثم يردّها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العاريّة مُؤدّاةٌ والمنحة مرودةٌ والدَّين مقضِيّ والزَّعيم غارم» رواه أبو أمامة، أخرجه الترمذيّ والدّارَقُطْنيّ وغيرهما، وهو صحيح.
والإطراق: إعارة الفحل؛ استطرق فلان فلانًا فَحْلَه: إذا طلبه ليضرب في إبله؛ فأطرقه إياه؛ ويقال: أطرِقني فحلك أي أعِرْني فَحْلَك ليضرب في إبلي.
وطَرَق الفحلُ الناقةَ يَطْرُق طروقًا؛ أي قَعَا عليها.
وطَرُوقة الفحل: أُنثاه؛ يقال: ناقة طَروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل. اهـ.

.قال الفخر:

اختلفوا في أن قوله: {اسكن} أمر تكليف أو إباحة فالمروي عن قتاده أنه قال: إن الله تعالى ابتلى آدم بإسكان الجنة كما ابتلى الملائكة بالسجود وذلك لأنه كلفه بأن يكون في الجنة يأكل منها حيث شاء ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها فما زالت به البلايا حتى وقع فيم نهى عنه فبدت سوأته عند ذلك وأهبط من الجنة وأسكن موضعًا يحصل فيه ما يكون مشتهى له مع أن منعه من تناوله من أشد التكاليف.
وقال آخرون: إن ذلك إباحة لأن الاستقرار في المواضع الطيبة النزهة التي يتمتع فيها يدخل تحت التعبد كما أن أكل الطيبات لا يدخل تحت التعبد ولا يكون قوله: {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} [الأعراف: 16] أمرًا وتكليفًا بل إباحة، والأصح أن ذلك الإسكان مشتمل على ما هو إباحة، وعلى ما هو تكليف، أما الإباحة فهو أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذونًا في الانتفاع بجميع نعم الجنة، وأما التكليف فهو أن المنهي عنه كان حاضرًا وهو كان ممنوعًا عن تناوله، قال بعضهم: لو قال رجل لغيره أسكنتك داري لا تصير الدار ملكًا له، فههنا لم يقل الله تعالى: وهبت منك الجنة بل قال أسكنتك الجنة وإنما لم يقل ذلك لأنه خلقه لخلافة الأرض فكان إسكان الجنة كالتقدمة على ذلك. اهـ.

.فصل: ذكر الخلاف في الوقت الذي خلقت فيه حواء:

قال الفخر:
إن الله تعالى لما أمر الكل بالسجود لآدم وأبى إبليس السجود صيره الله ملعونًا ثم أمر آدم بأن يسكنها مع زوجته.
واختلفوا في الوقت الذي خلقت زوجته فيه، فذكر السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة فبقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به فألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقه الأيسر ووضع مكانه لحمًا وخلق حواء منه، فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة فسألها من أنت؟ قالت: امرأة.
قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ، فقالت الملائكة: ما اسمها؟ قالوا: حواء، ولم سميت حواء، قال: لأنها خلقت من شيء حي، وعن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث الله جندًا من الملائكة فحملوا آدم وحواء عليهما السلام على سرير من ذهب كما تحمل الملوك ولباسهما النور على كل واحد منهما إكليل من ذهب مكلل بالياقوت واللؤلؤ وعلى آدم منطقة مكللة بالدر والياقوت حتى أدخلا الجنة.
فهذا الخبر يدل على أن حواء خلقت قبل إدخال آدم الجنة والخبر الأول يدل على أنها خلقت في الجنة والله أعلم بالحقيقة. اهـ.

.فائدة: المراد بالزوجة:

قال الفخر:
أجمعوا على أن المراد بالزوجة حواء وإن لم يتقدم ذكرها في هذه السورة وفي سائر القرآن ما يدل على ذلك وأنها مخلوقة منه كما قال الله تعالى في سورة النساء: {الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] وفي الأعراف: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن المرأة خلقت من ضلع الرجل فإن أردت أن تقيمها كسرتها وإن تركتها انتفعت بها واستقامت». اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَزَوْجُكَ} لغة القرآن زَوْجٌ بغير هاء، وقد تقدّم القول فيه.
وقد جاء في صحيح مسلم: زوجة، حدّثنا عبد اللَّه بن مَسْلَمة بن قَعْنَب قال حدّثنا حماد بن سَلَمة عن ثابت البُنَانِيّ عن أنس: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمرّ به رجل فدعاه فجاء فقال: «يا فلانُ هذه زوجتي فلانة»: فقال يا رسول الله، مَن كنتُ أظنّ به فلم أكن أظنّ بك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإنسان مَجْرى الدم».
وزوج آدم عليه السلام هي حوّاء عليها السلام، وهو أوّل من سمّاها بذلك حين خُلقت من ضِلَعِهِ من غير أن يَحُسّ آدم عليه السلام بذلك؛ ولو ألِم بذلك لم يَعْطِف رجل على امرأته؛ فلما انتبه قيل له: من هذه؟ قال: امرأة؛ قيل: وما اسمها؟ قال: حّواء؛ قيل: ولِمَ سُمِّيت امرأة؟ قال: لأنها من المرء أخِذت؛ قيل: ولمَ سُمُّيت حوّاء؟ قال: لأنها خُلقت من حيّ.
روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرّب علمه، وأنهم قالوا له: أتحبها يا آدم؟ قال: نعم؛ قالوا لحوّاء: أتحبينه يا حوّاء؟ قالت: لا؛ وفي قلبها أضعافُ ما في قلبه من حبه.
قالوا: فلو صَدَقت امرأة في حبّها لزوجها لصدَقت حوّاء.
وقال ابن مسعود وابن عباس: لما أُسْكِن آدم الجنة مشى فيها مستوحشًا، فلمّا نام خُلقت حوّاء مِن ضلعه القُصْرَى مِن شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها؛ فلما انتبه رآها فقال: من أنت؟! قالت: امرأة خُلقت من ضلعك لتسكن إليّ؛ وهو معنى قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 179].
قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عَوْجاء؛ لأنها خُلقت من أعوج وهو الضّلع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة خُلقت من ضلع في رواية: وإنّ أعوج شيء في الضلع أعلاه لن تستقيم لك على طريقة واحدة فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عِوَج وإن ذهبتَ تُقِيمها كَسَرْتَها وكَسْرُها طلاقُها» وقال الشاعر:
هي الضِّلَع العَوجاءُ لستَ تُقيمها ** ألاَ إنّ تقويم الضلوع انكسارها

أتجمع ضَعفًا واقتدارا على الفتى ** أليس عجيبًا ضعفُها واقتدارها

ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المُشْكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال من اللِّحية والثَّدْي والمبال بنقص الأعضاء.
فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أُعْطيَ نصيب رجل روي ذلك عن عليّ رضي الله عنه لخلق حوّاءَ من أحد أضلاعه، وسيأتي في المواريث بيان هذا إن شاء الله تعالى. اهـ.